في عالم الإعلام المتطور باستمرار، حيث المحتوى هو الملك وتصبح الحدود الجغرافية أكثر ضبابية، تشهد منطقة الشرق الأوسط نموًا غير مسبوق، حيث من المتوقع أن تتجاوز إيرادات سوق الإعلام والترفيه 60 مليار دولار بحلول عام 2028، وفقًا لتقرير Mordor Intelligence. وتعد المنطقة موطنًا لسكان شباب، متنوعين، بارعين في استخدام التكنولوجيا، ومتصلين بالعالم، يشهدون نهضة اجتماعية وثقافية غير مسبوقة، مما يجعلها سوقًا مثاليًا للشركات الإعلامية للاستفادة من هذه الفرص. في هذا السياق، تلعب مدينة الإعلام في قطر دورًا محوريًا في تعزيز نمو النظام الإعلامي المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
من المناسب أن تلعب قطر والمنطقة الأوسع دورًا في تشكيل مستقبل الإعلام. لطالما كانت المنطقة العربية مهدًا للقصص الساحرة؛ من الرحلات الملحمية في ”ألف ليلة وليلة“ إلى بعض أفضل الإنتاجات السينمائية خلال العصر الذهبي للسينما، حيث ألهمت السرديات الغنية الجماهير لعدة قرون.
اليوم، تجتاح الثورة الرقمية منطقة الشرق الأوسط بوتيرة هائلة، وتفتح معها عالمًا جديدًا من الفرص لسُرّاد القصص العرب الذين يمتلكون أدوات قوية وجمهورًا عالميًا. في الوقت نفسه، يسعى المستهلكون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى محتوى يعكس ثقافتهم وقيمهم. وقد أدى هذا إلى زيادة الطلب على البرامج التلفزيونية والأفلام وألعاب الفيديو والموسيقى باللغة العربية. هذه هي الواقع الجديد والشيق الذي يبرز في العالم العربي.
تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأسس اللازمة لقطاع إعلامي مزدهر، بفضل ثقافتها المميزة وتراثها، واستثمارات الحكومة، وسكانها المتفاعلين، والانتشار الواسع للإنترنت. لكي يزدهر قطاع الإعلام حقًا الآن، نحتاج إلى مساعدة القطاع الخاص في تولي القيادة. يجب أن تتكيف استثماراتنا لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة من خلال تمكين القطاع الخاص وبناء قاعدة من المواهب—وهذا هو دور مدينة الإعلام في قطر، التي تلتزم برعاية هذا النمو.
من خلال مهمتها الثلاثية كجهة منظمة، ومطوّر، ومستثمر، ستقدم مدينة الإعلام في قطر أكثر من مجرد مساحات عقارية. إنها تسعى لأن تكون حاضنة للشركات، ورواد الأعمال، والمبتكرين، والمواهب الإبداعية، من أجل تسريع تطور الإعلام الإقليمي، ورعاية نظام بيئي قوي ومبتكر يمكن أن يدفع المشهد الإعلامي في الشرق الأوسط إلى الأمام.
يمكن لمشهد إعلامي إقليمي قوي أن يشكل منصة للأصوات والقصص المتنوعة التي تنبع من أنحاء الشرق الأوسط. سيسهم هذا في خلق بيئة إعلامية أكثر ديناميكية وتنافسية، ويجذب الاهتمام والاستثمار الدولي. بدأت بالفعل الشركات الإعلامية العالمية تدرك إمكانات السوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتستثمر في الإنتاج والتوزيع المحلي.
على جانب المستهلك، تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسكان شباب ومتصلين بشكل متزايد، مع ارتفاع مستويات الدخل المتاحة للإنفاق. هذا يعني وجود جمهور ضخم متعطش للمحتوى الإعلامي عالي الجودة الذي يلبي تفضيلاتهم المحلية، بينما يظل منفتحًا على التأثيرات الدولية. هذا هو المناخ الذي يمكن أن تزدهر فيه الشركات العالمية من خلال تكييف محتواها للمنطقة.
للاستفادة من هذا الاتجاه، تعتبر المبادرات مثل مدينة الإعلام في قطر ضرورية. نحن نقدم نظامًا بيئيًا داعمًا للمهنيين والشركات الإعلامية الدولية التي تسعى إلى الحصول على حليف قوي لمساعدتها في خلق الظروف المثالية للازدهار داخل المنطقة.
التزامنا هو خلق الظروف المثلى للنجاح على أرض قطر. لتحقيق ذلك، نسعى لتلبية جميع احتياجات صنّاع المحتوى، بما في ذلك خدمات حاضنات الأعمال الديناميكية، المواقع المذهلة، تصاريح التراخيص، توظيف المواهب العالمية، الوصول إلى مرافق الإنتاج وما بعد الإنتاج، أو حتى خدمات الدعم في التسويق والمبيعات. بالإضافة إلى ذلك، نلبي احتياجات الشركات عبر القطاعات الإعلامية، بما في ذلك البث، وتوزيع المحتوى، والنشر الرقمي، وألعاب الفيديو، والمحتوى الذي ينشئه المستخدمون، والذكاء الاصطناعي، والابتكارات المتقدمة الأخرى.
ما يميزنا حقًا هو الدعم الشامل من البداية إلى النهاية والإرشاد الذي نقدمه للشركات الإعلامية ومُنشئي المحتوى المهتمين بالعالم العربي، سواء كانوا يعملون بالفعل من قطر أو يخططون للتوسع في منطقة الشرق الأوسط.
تتجاوز رؤيتنا لمدينة الإعلام في قطر مجرد إنشاء محتوى؛ إنها تتعلق بالترويج للتبادل الثقافي عبر الحدود، وربط وجهات النظر العالمية، وتفكيك الصور النمطية.
في الآونة الأخيرة، دعمت مدينة الإعلام في قطر المعرض القطري الذي تزامن مع الدورة الستين للمعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية بعنوان ”أشباحك هي أشباحي – سينما موسعة، أصوات مضخمة“. وقد جمع المعرض رؤى العشرات من صناع الأفلام والفيديو من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا ليُعرض على أهم منصة في عالم الفن. عُرضت الأعمال من مجموعات متحف ”مطافئ: متحف الفن العربي المعاصر“، ومؤسسة الدوحة للأفلام، والمتحف الفني القادم ”آرت ميل“، المقرر افتتاحه في عام 2030. وقد جسّد المعرض قوة الفيلم في ربط الجماهير وسرد القصص.
قمنا أيضًا بنقل الرسالة ذاتها إلى البندقية، بالتزامن مع الدورة الحادية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، من خلال فعالية ”قصص عالمية، رؤية محلية“. شهدت الفعالية تعاون الفنانة القطرية فاطمة الشيباني والفنان الإيطالي نيكولو غالاسو في عمل فني بعنوان ”الجسر“، والذي صُمم لتذكيرنا بأن الفيلم لغة عالمية تربط بين القلوب والعقول حول العالم. وقام الفنانان بدمج قناع الكرنفال الفينيسي مع البتولة القطرية، رمزًا للانسجام والابتكار.
كُشف النقاب عن العمل الفني في عشاء خاص أقيم بالشراكة مع مؤسسة الدوحة للأفلام، ليعكس أهمية بناء الشراكات وخلق فرص للإنتاج المشترك، وربط الثقافات من خلال التعاون الدولي. الأهم من ذلك، يُذكّرنا العمل الفني بأنه من خلال الفن والسينما نكتشف إنسانيتنا المشتركة—رسالة قوية تُشير إلى أنه حتى في عالم منقسم، نحن جميعًا جزء من نفس القصة.